من الانتخابات النيابيّة في الجنوب في العام 2005 (أرشيف)
يُجمع المتنافسون في الجنوب على أن لا خلاف بينهم على العناوين السياسيّة الكبيرة، لكن منافسي الثنائي الشيعي يُصرّون على أن معركتهم هي للحفاظ على حق البلدات في اختيار ممثليها، لإسقاطهم من الجوّ، ولمواجهة وصول حزبيين غير أكفاء إلى رئاسة المجالس البلديّة
ثائر غندورلحظة أُعلنت نيّة إجراء الانتخابات في موعدها من دون إصلاحات، سادت حالة من الوجوم في أوساط المستقلين واليساريين في الجنوب. كان لسان هؤلاء ينطق بعبارة واحدة: «لسنا جاهزين». أيّام قليلة وأعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله التفاهم مع حركة أمل على جميع البلديّات في الجنوب والبقاع. ارتفع مستوى اليأس والإحباط.
بدأت النقاشات هنا وهناك. ثمة من يقول بضرورة المقاطعة، ومن يقول بأهميّة الترشّح في وجه هذا الثنائي. تواصل حزب الله وحركة أمل مع الحزب الشيوعي بنيّة إدخاله في تفاهمهما في القرى الموجود فيها، ما وجّه ضربة قاسىة لمن كان يُراهن على هذا الحزب بأن يقود عمليّة المواجهة.
منذ ثلاثة أسابيع، بدأت تلوح في الأفق تبدّلات: الثنائي الشيعي لم يصل إلى إعلان لوائح مشتركة في عدد كبير من البلدات. الطرفان يتبادلان «الفيتوات» على أسماء المرشّحين. حزب الله يرغب في أن تكون حالة «آل الخليل» ممثّلة، وحركة أمل ترى في ذلك عودةً إلى الإقطاع. هذا الأمر دفع المستقلين واليسار إلى خوض المعركة مجدداً. ويوماً بعد آخر بدأت تتكشّف الأسباب الحقيقيّة وراء الخلافات التي نشبت بين مناصري الفريقين في القرى.
فمناصرو حزب الله وعدد من مسؤوليه والمنتسبين إليه يرفضون أن يكونوا غطاءً لما يرونه فساداً في حركة أمل. وهو موقف ليس بجديد عند هؤلاء، بل هو قديم يعود إلى الانتخابات النيابيّة في عام 2000، إذ رأى هؤلاء أن التحالف مع أمل يُمثّل غطاءً لممارساتها، لكن التحالف حصل. وعندما ناقشت قيادة حزب الله إمكان التحالف مع حركة أمل في الانتخابات البلديّة في عام 2004، كان هناك فريق يُعارض هذا الأمر بامتياز، ونجح في منع التحالف.
بعد حرب تمّوز 2006، عادت هذه الأصوات إلى الارتفاع، اعتراضاً على ممارسات لمسؤولي حركة أمل وجدوا أنها خاطئة وتُسيء إلى المقاومة في ملف التعويضات. لكنّ هذا الصوت لم يكن مؤثّراً في خيار انتخابات 2009 النيابيّة لأن الضرورات السياسيّة فرضت أحكامها.
جاءت الانتخابات البلديّة. حصل التفاهم السياسي. اعترض بعض مسؤولي حزب الله، أو ابتعدوا عن العمل في هذا الاستحقاق، وهو ما انعكس بوضوح في القرى الجنوبيّة، إذ طلب عدد منهم تكليف آخرين متابعة عمليّة التفاوض مع حركة أمل.
الأثر الآخر كان على مناصري حزب الله. فجزء من هؤلاء لجأوا إلى حزب الله بسبب اعتراضه على حركة أمل أو لحماية نفسه من «بطشها»، كما يقول هؤلاء، وخصوصاً مناصري آل الخليل وآل الأسعد وبعض المستقلين والمستقيلين من الأحزاب اليساريّة. وهؤلاء خاضوا معاركهم البلديّة إلى جانب حزب الله في الدورتين السابقتين. واليوم، بدأوا يتحدّثون عن أن حزب الله خذلهم وتجاوزهم.
أمّا عند حركة أمل فالاعتراض على مستويين:
يسأل المعترضون على التفاهم من داخل حزب الله وحركة أمل عن جدواه
ـــــ المستوى الأول رسمي، يُحاذر أصحابه ذكر أسمائهم، لكنّهم يتحدّثون عن أن حزب الله يأخذ حجماً أكبر من حجمه الحقيقيّ، وذلك «لأن الجمهور الجنوبي متعاطف مع المقاومة، لكنه يملك خيارات سياسيّة مختلفة». يُضيف هؤلاء أن حزب الله يسعى اليوم إلى «السطو» على مكتسبات حركة أمل في الدولة وفي النظام السياسي، «فنحن من قاتل في عام 1984 في بيروت للحصول على مكتسبات الطائفة الشيعيّة، ونحن الذين خضنا معارك سياسيّة طوال عشرين عاماً، وقدّمنا كلّ شيء لحماية المقاومة وظهرها يوم كان حزب الله خارج السلطة، واليوم يُريد الحزب أن يدخل الدولة ويأخذ حصّته في الوزارة وفي التوظيف».
أمّا المستوى الثاني، فهو الشعبي. يتحدّث أعضاء حركة أمل ومناصروها عن محاولات حزب الله للسيطرة على كلّ شيء، كما «يعملون لفرض تزمّت ديني نحن بعيدون عنه»، يقول مسؤول تنظيمي لحركة أمل في إحدى قرى صور.
هذه المُعطيات وغيرها، تتعلّق برغبة أفراد في أن يكونوا موجودين في لوائح التوافق، تُرجمت على الأرض من خلال اعتراض مقرّبين من الحزبين على لائحة التوافق. ففي بلدة صريفا مثلاً، ترشّح عدد من أعضاء حركة أمل مدعومين من العائلات في وجه لائحة التوافق، وذلك في ظلّ وجود لائحة ثالثة في البلدة مدعومة من الحزب الشيوعي والتيّار الأسعدي والعائلات. وفي معروب مثلاً (بلدة الوزير محمّد فنيش) ترشّحت لائحة كاملة مقابل لائحة التوافق، وهي تضم مقربين من حزب الله. ومن المعلوم أن هذه البلدة أعطت أصواتها على نحو شبه كامل، لحزب الله وحركة أمل في الانتخابات النيابيّة.
يتكرّر الأمر ذاته في زوطر الشرقيّة، حيث يخوض أحد أبناء عائلة إسماعيل (أكبر عائلة)، معركة في وجهة التحالف بلائحة قويّة، لأن رئيسها له تاريخ في تقديم الخدمات، وهو كان يُعدّ من المقرّبين جداً من حركة أمل.
وبوجه عام، تتجه أقضية الجنوب والنبطيّة بعد أسبوع إلى معارك في العديد من القرى والبلدات، وهي سجّلت حتى اليوم، نسبة متدنيّة جداً من البلدات التي فازت بالتزكية، إذ إن مجموعها في محافظتي الجنوب وصل إلى 7 بلدات توزّعت على أربعة أقضية: ثلاث بلدات في جزين، اثنتان في صور، وواحدة في كلّ من الزهراني والنبطيّة. وقد شهدت مراكز الأقضية زحمة مرشّحين في الساعات الأخيرة من اليوم الذي تُقدّم فيه الترشيحات، لكنّ هذه الزحمة والحيويّة تترافق مع غياب البديل الجدي، سواء كان على صعيد التنظيمات الحزبيّة أو المشاريع البلديّة، إذ يصعب إيجاد لائحة أعلنت برنامجاً بلدياً.
أمّا قراءة واقع كلّ قضاء في الجنوب والنبطيّة فتأتي على الشكل الآتي:
ــ قضاء صور: يوجد في هذا القضاء 744 مقعداً بلدياً، ترشّح عنها 1476 مرشّحاً، بنسبة تتخطّى المرشّحَين لكلّ مقعد. كذلك ترشّح 316 مرشّحاً لـ130 مقعداً اختيارياً. وهذا ما يُشير إلى وجود معركة في معظم قرى هذا القضاء.
مدينة صور، مركز القضاء، تغيب عنها أجواء المعركة الحقيقيّة، وذلك بسبب إحجام عدد من رموز المدينة عن الترشّح، وبعدما فازت بلديّتا برج رحال وبرج الشمالي بالتزكيّة.
لكن من البلدات التي ستشهد انتخابات، هي بلدة معركة، ومن مفارقات هذه البلدة أن للنساء دوراً أساسياً في اللائحة المعارضة للتوافق، وهي لائحة غير مكتملة، وهو ما دفع بعض النساء الفاعلات في حركة أمل إلى إعلان تبنيهن النساء المرشّحات. ومن اللافت حديث نجل الشهيد خليل جرادي عن ترشّحه لأحد المقاعد الاختياريّة مستقلاً، لا على لائحة حركة أمل، لكنّه أحجم عن ذلك بعد اتصالات.
كذلك تتجه بلدة القليلة إلى معركة يكون آل أبو خليل أساسها في وجه لائحة التحالف، وهم العائلة الأكبر في البلدة. أمّا في بلدة الحلّوسيّة، فإن العائلات والمستقلين والحالة الأسعديّة يعملون لخوض معركة قاسية في وجه لائحة التوافق، ويتكرّر الأمر ذاته في بلدة فرون التي تتميّز بوجود يساري وازن. وتستعد بلدات الناقورة وشمع والشهابيّة لمعركة أيضاً.
ــ قضاء الزهراني: ترشّح في هذا القضاء 1110 مرشحين لـ555 مقعداً بلدياً، وذلك بنسبة مرشّحَين لكل مقعد. كذلك ترشّح 400 مرشّح لـ108 مقاعد اختيارية.
قد تكون بلديّة الزراريّة أهم معركة في هذا القضاء، إذ تتحالف أكبر عائلتين، آل مروّة وآل زرقط (وهذا يحصل للمرّة الأولى ربما) مع الحزب الشيوعي ورياض الأسعد والعائلات الصغيرة بوجه لائحة التوافق، ويرى فيها البعض معركة حاسمة لتحديد هويّة البلدة السياسيّة، وخصوصاً مع وجود حراك يساري شبابي نشيط فيها.
وتتكرّر المواجهة في عدلون، حيث يخوضها الشيوعيّون والعائلات بوجه اللائحة التوافقيّة، التي تشهد حالة عدم استقرار حتى اليوم، إذ يجري تبديل الأسماء لإرضاء العائلات بعدما تألفت لائحة مقابلة، ي فيها رئيس البلديّة الحالي ورئيس البلديّة الأسبق.
وفي أنصاريّة، يخوض تحالف أمل وحزب الله ورياض الأسعد المعركة في وجه اليساريين والمستقلين وبعض حركة أمل المتحالفين مع العائلات.
ــ قضاء النبطيّة: يترشّح في هذا القضاء 1075 مرشّحاً للفوز بـ513 مقعداً بلدياً بنسبة مرشحَين لكل مقعد، ويترشّح 270 مواطناً للفوز بـ91 مقعداً اختيارياً.
تغيب المعارك عن مدينتي صور والنبطية وتحضر في البلدات
في ظلّ غياب المعركة عن مدينة النبطيّة، هناك معركة في العديد من البلدات، فإضافة إلى زوطر الشرقيّة، تخوض لائحة مستقلين مواجهة مع التوافق في بلدة عبّا، وهي من القرى التي تُعدّ من معاقل حزب الله في النبطيّة. أمّا في كفرتبنيت، فيخوض مؤيّدون لحركة أمل الانتخابات بوجه التحالف، وذلك بالتنسيق مع العائلات.
وفي بلدة كفرصير، تتحالف العائلات والحزب الشيوعي في لائحة واحدة في وجه الثنائي الشيعي، أمّا في بريقع، فيواجه الحزب السوري القومي الاجتماعي والعائلات لائحة التوافق. وأحدثت صير الغربيّة مفاجأة للكثيرين، إذ فشل التوافق بين أمل وحزب الله، فتحالفت حركة أمل مع مناصري رياض الأسعد في وجه حزب الله.
وفي بلدة أنصار، يتواجه الشيوعيّون والعائلات والمستقلون مع لائحة التوافق. أمّا في بلدة الدوير، فلم يستطع تفاهم أمل وحزب الله أن يُترجم على الأرض في ظلّ خلافات بين الطرفين وخلافات داخل حركة أمل أيضاً. ولا تزال بلدة يُحمر الشقيف تنتظر المشاورات بين المستقلين والأسعديين وبعض المعترضين داخل حركة أمل الذين يسعون إلى تأليف لائحة.
ــ قضاء مرجعيون: يترشّح 722 مرشحاً على 165 مقعداً بلدياً و220 مرشّحاً على 77 مقعداً اختيارياً. وتتركّز المعارك في هذا القضاء في بلدة الطيبة التي تتميّز بوجود يساريين يتحالفون مع العائلات، كما في بلدة عيناتا، فيما يتحالف اليساريّون مع التيّار الأسعدي في بلدة دير سريان في وجه لائحة التوافق، وفي بلدة ميس الجبل معركة يخوض مستقلون معركة في وجه التحالف، كذلك تخوض حولا والخيام معركة بسبب وصول الحوار بين اليساريين وأمل وحزب الله إلى حائط مسدود.
ــ قضاء بنت جبيل: تغيب الانتخابات الحقيقيّة عن هذا القضاء، الذي يترشّح فيه 960 مرشّحاً عن 489 مقعداً بلدياً، و254 مرشّحاً عن 95 مقعداً اختيارياً. لكنّ مركز القضاء، بنت جبيل، يعيش أجواء معركة، كما يُتوقّع أن تعيش، كما تخوض عيترون معركة لذات أسباب الخيام وحولا.
يسأل المعترضون على التفاهم من داخل حزب الله وحركة أمل عن جدواه، إذ إنه يمنع كلّ فريق من معرفة حجمه الحقيقي، ويمنع التنافس الديموقراطي بينهما، وخصوصاً أن الموضوع حُصر بشقّه البلدي والإنمائي، لذلك يتوقّع هؤلاء موجات متبادلة من التشطيب.