محمد وفا المشرف العام
عدد المساهمات : 500 نقاط : 1565 تاريخ التسجيل : 03/05/2010 الموقع : www.spaces.hoooxs.com
| موضوع: اختاه قبل ان تختاري الزوج الأربعاء مايو 19, 2010 4:45 pm | |
| أعلم أنك ستقبلين على الزواج، فذلك سنة ربانية لا بد لكل منا أن يدخل صرح الحياة الزوجية لتسكن نفسه ويطمئن قلبه، والأصل في الحياة الزوجية أنها تقوم على ركني المودة والرحمة، قال سبحانه:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ( الروم:21)
فالله سبحانه خلق الذكر والأنثى ليسكن بعضهم إلى بعض، فلا مجال لتخلي الرجل عن المرأة، ولا المرأة عن الرجل، فكل واحد منها يُكَمل الآخر، ولكن لا بد للحياة حتى تقوم وتستمر بشكل صحيح، أن تُعمر بالمودة والرحمة، وإلا تحولت إلى شقاء وتخبط، فكم من بيت بذلت في سبيل إقامته أموال كثيرة حتى إذا فُرح به انهار على رؤوس أصحابه، ذلك لعدم تحقق أسباب السعادة فيه.
فتلك سجلات المحاكم الشرعية تروي لنا أصنافاً من العلاقات الأسرية التي انهارت بعد ما أحكم بناؤها بسبب الأزمات النفسية والتداخلات الاجتماعية والرواسب الأسرية، فأصبحت بدل أن تقوم على المودة والرحمة تقوم على الخلافات والمهاترات والتجاذبات السلبية فتحولت على أصحابها آهات وعذاباً، وكل هذا لسبب واحد هو عدم اختيار الزوج المناسب، فلو تم اختيار الزوج المناسب بداية الأمر لما هدم بيت على رؤوس أصحابه، بل ولكانت العلاقات الزوجية تتحقق فيها المودة والرحمة، فعليك إذن أن تختاري الزوج المناسب، ولكن من هو الزوج المناسب في نظرك؟
أعلم أنه ذلك الرجل الأنيق الوسيم، الذي تمتلئ جيوبه أموالاً، صاحب المناصب الرفيعة، والأشعار البديعة، والنظرات الساحرة، ذلك الذي يمتلك أفخم السيارات وأعلى العمارات، وأزهى الحدائق، فتصوري لو تقدم لك رجل بهذه المواصفات، فماذا يكون رأيك؟ أعلم أنها اللحظة التي تنتظرينها بلهفة وتشوق، وأنه بذلك تحقق حلمك، وأصبح فارس خيالك بين يديك، تأخذينه وتطيرين به لتحققي ما كنت دوماً تحلمين به، وتنتظرين اللحظة الحاسمة التي يصبح الحلم فيها حقيقة، حتى لو كان هذا الرجل بعيداً عن الدين والخلق.
ولكنك أختاه على خطأ عظيم، فليس هذا الرجل من تحلم به صاحبة العقل والدين، ليس هذا من تحققين به أحلامك، بل هذا من سيقودك إلى جهنم والعياذ بالله، قال سبحانه:
(وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ
وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ( البقرة:221).
لو فهمت قول الله سبحانه في الآية آنفة الذكر:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ( الروم:21).
لعلمتي يقيناً أن السعادة في الحياة الزوجية لا تقوم على أمور مادية، بل على مشاعر وأحاسيس صادقة، فالمودة والرحمة ليستا أموراً مادية يحصل عليهما المرء بما معه من أموال أو مناصب أو شهادات، كما أنهما لا تأتيان بحسن المظهر أو جمال الجسد، فهذا كله لا يزن عند الله سبحانه جناح بعوضة.ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم.
والمودة والرحمة أعمال قلبية، لا مظاهر وماديات، ولا سبيل لوجدهما إلا بالإيمان والعمل الصالح قال سبحانه:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
فالحياة الطيبة حتى تقوم في الأمة، لا بد لها من إيمان وعمل صالح، وكذلك الحال في الأفراد. فالآية واضحة وهي تخاطب كل فرد بمفرده، فكل ذكر أو أنثى آمن وعمل صالحاً تشمله هذه الآية الكريمة، بل على خلافها قول الله سبحانه:
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً) ( طه: 124-125).
فالحياة مع غير الإيمان حياة شقاء ونصب، لا يعرف أصحابها مودة ولا رحمة، لشدة قسوة قلوبهم.
حتماً إن من لا يتحقق على الإيمان والعمل الصالح يكون قلبه أشد قسوة من الحجارة، لأن القلوب لا تلين إلا بذكر الله سبحانه، قال تعالى:
(اللَه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ( الزمر:23).
فكم من رجل يشار إليه بالبنان، يكون أبعد ما يكون عن الله سبحانه كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظلُّ أثرها مثل أثر الوكت، ثمَّ ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً، وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل:
ما أعقله وما أظرفه وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان). رواه البخاري.
ولا شك أخيتي أن مَن هذا حاله لا يحيى الحياة الطيبة أبداً حتى ولو كان مالكاً للدنيا بأسرها، بل ستنقلب عليه الدنيا ويلات وويلات قال سبحانه:
(فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ( التوبة:55).
فإذا أدركت هذا المعنى، فهمت قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض). أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه.
فأنت أمام خيارين، إما أن تختاري صاحب الدين والخلق الحسن، وإما أن تختاري الفساد العريض، لأن اختيارك للرجل غير المناسب، يجر المجتمع المسلم إلى متاهات، فحياتك لا تقتصر على نفسك وزوجك، بل تتعدى ذلك لتشمل أبناءك وأهلك ومجتمعك، وما هذه الحياة التي يعيشها المسلمون اليوم إلا ثمار أعمالهم غير الطيبة، فما أوقع الأمة في هذا الفساد العريض إلا بعدهم عن الهدي النبوي الشريف، فتولدت حياة الضنك في كل مجالات حياتهم فأصبح الشر منتشراً في كل شيء، في النفوس والبيوت والأولاد والمجتمع.
فتأملي أختاه قولي بتمعن وقفي مع نفسك للحظات حتى تدركي أهمية ما أقول، هل أنت ممن تعمل على زيادة الفساد العريض في الأمة؟ أم أنت ممن تعمل جاهدة لتحرر أمتها مما أصابها من بُعد وعدول عن المنهج الحق؟ هل أنت ممن تسعى لتكون أُمّاً صالحة تنجب رجالاً صالحين تفخر بهم أمتهم؟ أم أنت ممن يزيد المجتمع جيلاً فاسداً، وعناءً فوق عنائه.
إنك باختيارك هذا لن تكوني وحدك، ولن تكوني في منأى عن مجتمعك، بل أنت فرد من أفراد الأمة تسهمين إما في تقدم الأمة وازدهارها، أو في تراجعها وهلاكها، وحتى تكوني صالحة مُصلحة لا بد أن تختاري الزوج الصالح المصلح الذي يعينك على الطاعة، وتحققين معه صورة مصغرة للمجتمع الإيماني من خلال بنائكما لأسرة تترعرع على التقوى والإحسان، فتخرجين أبناء صالحين مصلحين، يكونون قرة عين لك في الدنيا، وترتقين بهم الدرجات العلى يوم القيامة.
واعلمي أن السعادة لا تكون بكثرة المال والولد، بل بالإيمان والعمل الصالح، فقد يكون من تختارين فقيراً فيصبح غنياً بفضل الله سبحانه بتقديمك الدين على الدنيا قال سبحانه:
(وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ( النور:32).
وإياك أن تختاري الدنيا على الآخرة فتكوني ممن أشقى نفسه في الدنيا وله في الآخرة عذاب عظيم، بارك الله فيكِ وجعلكِ مفتاح خير مغلاق شر وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
| |
|